أفلام الزفاف أو أفلام الرعب، مسألة تثير مناقشة موضوع «النوع السينمائي»، وهو مصطلح يشير إلى أسلوب في تصنيف الأفلام وجمعها في فئاتٍ محددة تشترك مع في الصفات أنفسهن. تمثل أفلام الرعب نوعًا سينمائيًّا الغرض منه إخافة الجمهور بقصصٍ عن الوحوشmonsters ومشاهدَ تُسبِّب الرعب أو التقزز. أما أفلام الزفاف فعادةً ما تُركِّز على طقوس حفل الزفاف وتقاليد الزواج والنزاعات العائلية والوعود الرومانسية والإحباطات. لكن كمعظم الموضوعات التي تخضع للدراسة، فإن النوع السينمائي يمكن أن يكون مصطلحًا معقَّدًا ومراوغًا عندما يُفحَص تحت مجهر التحليل الدقيق. على سبيل المثال، فإن فيلماً )بوت أبوت، ولو كاستيلو يقابلان فرانكنشتاين (١٩٤٨) يستدعي معظم الوحوش التي ظهرت به من فيلم «فرانكنشتاين» (١٩٣١) مع شخصيتي دراكيولا والرجل الذئب التي أنتجتها أستديوهاتيونفرسال. لكن هل يمكن أن يُقال إنه فيلم رعب إذا كان يهدف لإضحاك الجمهور أكثر من إخافته؟ وهل يجب تصنيف فيلم «العروس السورية» باعتباره فيلم زفاف بجانب فيلمَي «مأدبة الزفاف» أو «متطفلي العرس» إذا كان يتعلق على نحوٍ أكبر بالأمور السياسية في الشرق الأوسط عوضا عن تفصيلات الزواج أو الحكايات الغرامية؟ قبل أي شيء، يجب أن نستعد لطرح بعض الأسئلة الرئيسية عن الأنواع السينمائية: كيف تُعرَّف؟ كيف تُستخدَم؟ وما الهدف منها؟ ومتى وأين تظهر؟ ولماذا تستحق الدراسة؟
لاحظ توماس شاتس، في أثناء كتابته عن الأنواع السينمائية في هوليوود عام ١٩٨١، أن الأفلام التي تمثِّل نوعًا سينمائيًّا معينًا "Genre" تتضمن شخصياتٍ مألوفةً أحادية البُعد على نحوٍ رئيس، تقدِّم نمطًا قصصيًّا متوقعًا داخل موقع أحداث مألوف. إن مفتشي الشرطة والمجرمين في أفلام الغرب الأمريكي التقليدية Western ورجال العصابات والمباحث في أفلام العصابات التقليدية بمسدساتهم ذات الخزانة الدوَّارة والمدافع الرشاشة والخيول والمهربات؛ كل هؤلاء يسكنون عالمًا يسهل التعرُّف عليه والاستمتاع به على الشاشة.
يوضح ريك ألتمان، بعد مرور ثمانية عشر عامًا، في كتابه (الفيلم: النوع السينمائي) أن "مصطلح النوع السينمائي له معانٍ عديدةٌ لدى الأطراف المختلفة، ويمكنه أن يقدم بناءً لكُتَّاب السيناريو (الذين يضعون سيناريو مشاهدهم وحواراتهم وأفكارهم العامة للحبكة بأسلوب ملائم داخل إطار عملٍ محدد، أو مخطط أولي للمنتجين الذين يختارون القصص والنجوم ومواقع الأحداث طبقًا لصيغةٍ مناسبة، أو تصنيفًا بالنسبة إلى الموزعين والعارضين الذين لعلهم يُسوِّقون منتجاتهم كأفلامِ حركة أو دراميةٍ أو كوميديةٍ وعقدًا بالنسبة إلى الجمهور الذي يتوقع نوعًا معينًا من تجربة المشاهدة السينمائية". وبالنسبة إلى المتخصصين في دراسة الأفلام وباحثي النوع السينمائي، فإن النوع السينمائي يُتيح أيضًا كما قال باري لانجفورد عام ٢٠٠٥، (طريقةً مثبتة تاريخيًّا لإيجاد «صلات قُربى» بين الأفلام المنتجة والمعروضة تحت ظروفٍ شديدة التباين.هذه العلاقات العائلية تُعتبر سمةً هامة لمشاهدة الأفلام المنتمية لأنواعٍ سينمائيةٍ معينة. ولتشكيل أي نوعٍ سينمائي، يجب صنع وعرض وفهم عددٍ كبير من الأفلام المتماثلة بأسلوبٍ أكاديمي منتظم. يتعلم معجبو أي نوعٍ سينمائي إدراكَ وتوقعَ قواعدِه؛ لذا فإن أي فيلم غرب أمريكي أو رعب جديد لا يُشاهَد فقط كنصٍّ سينمائيٍّ فردي، بل يُشاهَد كذلك من منظور علاقته بأفلام الغرب الأمريكي أو الرعب الأخرى التي شُوهِدَت سلفا وتخزينها في الوعي. يتمثل جزء من متعة المشاهدة أصلا في إدراك الرموز واللحظات المألوفة للنوع السينمائي: معركة في الحانة أو الوحش الذي يختبئ في القبو، وجزء من متعة المشاهدة يكمن في مواجهة اختلافاتٍ مفاجئة في الوصفة: القناص الذي يتضح أنه امرأة، أو الوحش الذي يظهر فجأة من وراء الأريكة. هذا المزج بين ما هو تقليدي وما هو جديد هو ما يحافظ على عودة الجمهور إلى مشاهدة المزيد من هذا النوع السينمائي، وهو ما يدفع صناعة السينما للحفاظ على استمراريته.
بالاعتماد على أعمال باحثين آخرين، يرى واتس أن الأنواع السينمائية ربما تمرُّ بما يشبه عملية النشوء والارتقاء بمرور الوقت. تبدأ الأنواع السينمائية بمرحلةٍ «تجريبية» عندما تُصاغ أساليب وتقاليد النوع السينمائي بشكلٍ مبدئي، ثم تمر بمرحلةٍ «كلاسيكية» عندما تصبح ثابتة ومفهومة على نطاقٍ واسع، ثم تمر بمرحلة «تحسين» عندما تضيف الأفلام الجديدة تفاصيلَ شكليةً وتطوراتٍ في التقنية، وأخيرًا تدخل مرحلة "باروكية" عندما يؤدي الانشغال الزائد عن الحد بتقاليد هذا النوع إلى انتقال التركيز من جوهر النوع السينمائي إلى أسلوبه. هذه الفكرة التطورية للنوع السينمائي تقبَّلها باحثون ورفضها آخرون، كما سنرى، لكنها تُعدُّ كمقدمةٍ مفيدة لتاريخ الأنواع السينمائية. أيضًا، تعمل هذه الفكرة كمثال لكيفية اختبار نظريةٍ واضحة المعالم.
يُعتبر ألتمان أحد هؤلاء الذين شكَّكوا في فكرة أن الأنواع السينمائية تمر بدورات حياة يمكن التنبؤ بها مثل هذه؛ فبعد طرحه سؤال: متى يصبح أي نوع سينمائي نوعًا سينمائيًّا؟ يفحص ألتمان التاريخ المسجَّل للإعلانات والمطبوعات الدعائية والملصقات بحثًا عن دليل لهذا؛ واكتشف أن مصطلحات مثل «فيلم استعراضي» أو «ويسترن» كانت تُستخَدم كصفاتٍ تصويرية (نسخة غنائية من فيلم «الفرسان الثلاثة»، مغامرة ورومانسية بأسلوب الغرب الأمريكي كأفضل ما يكون) قبل أن تُستخدَم كلمات تدل على نوعٍ سينمائي (فيلم موسيقي أو فيلم غرب أمريكي.بمعنًى آخر، فإن مروِّجي الأفلام نظروا إلى الموسيقى وأساليب الغرب الأمريكي كعناصرَ إضافيةٍ قبل أن يدركوا أنه يمكنها أن تكون الجوهر العام لنوعٍ جديد من الأفلام. يعثر ألتمان على نمطٍ معيَّن في عملية صناعة النوع هذه: عندما تنجح سلسلة أفلام لاستديو ما؛ أيْ إصدار متتابع لأفلام بنفس الأفكار أو الموضوعات أو الاتجاه العام، فإن الأستديوهات الأخرى تحاول الفوز بأرباح سريعة مضمونة بتقليد نفس سمات هذه السلسلة. هذه التصنيفات الوصفية تتمثَّل في هيئة نوعٍ سينمائي كما كان الحال مع النوع الغنائي الذي انتشر في الثلاثينيات من القرن العشرين. وبما أن كبرى الأستديوهات تعمل على تمييز منتجاتها عن منتجات منافسيها، فإن الأستديوهات الصغيرة هي عادةً من يستغل التصنيفات الجاهزة للأفلام التي تُمثِّل أنواعًا سينمائية بعينها. وفي الوقت ذاته، فإن الأستديوهات الكبرى تصنع سلاسلَ جديدة، مضيفةً سمات وتصنيفاتٍ جديدةً إلى الأنواع السينمائية الموجودة بالفعل، بادئة مجددا جولةً جديدة من عملية صناعة النوع السينمائي. هذه العملية مستمرة، وفي حالة تدفقٍ دائم.
يتم التمييز بين الأهداف التجارية لأفلام الأنواع السينمائية والطموح الفني للمخرجين ذوي الأسلوب الإبداعي الخاص. وعادةً ما تُنتَج أفلام الأنواع السينمائية بأعدادٍ كبيرة، وتُوجَّه إلى سوقٍ ضخمة عكس أفلام النخبة التي تُصنَع بشكلٍ منفصل ليشاهدها الناقد والمشاهد الجاد. لكن في الوقت الذي استُخدم فيه هذا الفصل في بعض الأحيان للتقليل من قيمة الأفلام التي تُعتَبر رائجة وشعبية مقارنة بأفلام النخبة، فإن بعض الباحثين وجدوا قيمة في حقيقة أن الأنواع السينمائية تُصنع على نحوٍ جمعي، وأنها تبرز وتنجح بسبب شعبيتها وجاذبيتها. يوضح شاتس أنه «إذا كان النوع السينمائي يقوم على أساس محاورة المجتمع لذاته بشكلٍ جمعيٍّ، فإن الأنواع السينمائية يمكن دراستها كانعكاسات لاهتمامات الناس في المجتمع.» أو كما يقول لانجفورد من أن الأنواع السينمائية تتيح لنا أن نشهد «حوارًا قوميًّا مستمرًّا» حول الموضوعات المهمة. لذا فإن دراسة تاريخ أفلام الأنواع السينمائية تصبح طريقة لتتبع معتقدات واهتمامات الناس المتغيرة بمرور الوقت.
إذا كان للأنواع الفنية تاريخٌ ما، فإن نظريات النوع السينمائي لها تاريخها الخاص، وعلى الرغم من أن الأستديوهات في أوروبا وآسيا أنتجت أفلام الأنواع السينمائية، فإن معظم نظريات الأنواع السينمائية للأفلام قامت على دراسات لنظام الأستديو في هوليوود، الذي يعد أكبر مُنتَجٍ ذي نفوذ وأثر للأفلام في العالم. يتتبع لانجفورد تطور نظرية النوع السينمائي خلال ثلاث مراحل رئيسية. كانت أوائل النظريات مهتمة بالفئات؛ أي، تصنيف وتحديد الأنواع السينمائية الفردية فيما يتعلق بالصور المميزة لها، وأنواع شخصياتها، وحبكات قصصها مثل دراسات روبرت وارشو عن أفلام العصابات والغرب الأمريكي.لكن التركيز تغيَّر لاحقًا لينصبَّ في مرحلةٍ تالية على معانٍ ووظيفة اجتماعية أشمل عندما كان واضعو النظريات يبحثون عن الرسائل الأيديولوجية المجسَّدة في أنواع سينمائية بعينها. لقد بدؤوا ينظرون إلى الأنواع السينمائية على أنها نوع من إعادة التجسيد لنزاعاتٍ ثقافية: بين الفوضى والعدل (أفلام الجريمة)، بين الحضارة والبرِّية (الويسترن)، بين الإشباع الذاتي وتضحية الأم (أفلام المرأة. أَوْلى واضعو النظريات الخاصة بالأنواع السينمائية، مؤخرًا، المزيد من الاهتمام بالسياقات التاريخية والممارسات المؤسسية، طارحين أسئلة حول كيفية تسويق الأستديوهات للأنواع السينمائية، وكيف يستهلكها الجمهور في مختلف الأوقات.