بصم الروائي المصري صنع الله إبراهيم (1937-13 آب 2025) المشهد الروائي المصري والعربي بما خلفه من تركة سردية غنية ومتميزة نسجت متونها روايات ستظل خالدة وحية في ذهن القارئ العربي بفعل ما توفر فيها من شروط الجودة والتشويق وحسن الحبكة والصياغة فضلاً عن الانخراط في صلب هموم المجتمع العربي وهواجسه بفئاته كافة لا سيما تلك الطبقات الهشة التي ظلت تعاني متاعب الحياة وآهاتها.
وقد تمكن في فترة تبدأ من 1966 إلى 2019، أن يبدع روايات متعددة ومتنوعة منها: اللجنة (1981)، بيروت بيروت (1984)، ذات (1992)، شرف (1997) وبرلين 69 (2014).
وله أيضاً قصص للأطفال منها: تلك الرائحة (1966)، رحلة السندباد الثامنة (1986)، اليرقات في دائرة مستمرة (1983) والحياة والموت في بحر ملون (1983).
بسبب هذا الرصيد الثري من المتون الروائية والقصصية وصفه رئيس الحكومة المصرية الدكتور مصطفى مدبولي يوم 13 آب 2025 خلال نعيه بـ "الأديب والروائي الكبير الذي فقدته الساحة الأدبية العربية" كما عبر عن تقديره "للإرث الأدبي الزاخر الذي قدمه الأديب الراحل على مدار تجربته الروائية الممتدة لعقود، من النصوص الأدبية التي ترجم بعضها إلى إنتاج فني مرئي وهذا الإنجاز سيجعل منه أيقونة خالدة في مسيرة الإبداع العربي، وأحد رواد الأدب المصري المعاصر".
"إن الإنتاج الغزير الذي أثرى به صنع الله إبراهيم المكتبة الأدبية العربية يمثل مرآة صادقة للمجتمع بكل تناقضاته، حيث اتسم قلمه بالعمق في منظور تناوله للقضايا المجتمعية الشائكة، والقدرة الفائقة على السرد، ليكون بحق أحد مؤرخي العصر الحديث في قوالب أدبية فريدة".
وقد اعتبر صنع الله إبراهيم "فقدان خسارة كبيرة للساحة الأدبية، فقد قدم عبر مسيرته الطويلة أعمالاً روائية وقصصية أصبحت علامات مضيئة في المكتبة العربية".
يكتشف قارئ روايات صنع الله إبراهيم المتعددة والمتنوعة، حنكته السردية والمتمثلة في قدراته ومهاراته على حسن الصياغة والتعبير، ناهيك عن هندسته للشخصيات الروائية، حيث ينفذ لأعماقها، ويرسم مساراتها وصراعاتها النفسية ويتتبع أدق تفاصيلها التي تشف منها ملامحها وتناقضاتها.
صنع الله إبراهيم استطاع عبر متونه الروائية والقصصية، أن يبدع في فن الكتابة الروائية، حيث لا يمل القارئ والمتلقي من حكاياته وسروده، وذلك راجع طبعا لخبرته الطويلة والمعتبرة في نسج خيوط فعل السرد في تلك النصوص، ناهيك عن براعته في ابتداع المواضيع والتيمات ومواكبة مستجدات الإنسان المصري والعربي عموماً.
لقد أبان سرد صنع الله إبراهيم عن حقيقة شخصيته المبدعة والقادرة على الاندماج مع هموم الشعب والمواطنين، حيث يمكن أن نصنفه ضمن الأدباء الروائيين الملتزمين بقضايا الوطن والأمة.
لقد جسد صنع الله إبراهيم أنموذج المثقف الذي يحمل وعياً -لا شك- ممضاً لحامله نافعاً لأبناء وطنه.
روايات صنع الله إبراهيم ليست سرديات يمتزج فيها الخيال بالواقع، إنها أكثر من ذلك شهادات حية عن مراحل تاريخية من عمر مصر والعالم العربي، ولذلك فهي بمثابة وثائق حية تؤرخ لأحداث جسام طبعت مسار حياة شعب وأمة في آن واحد.
لم يكن صنع الله إبراهيم هاوياً ممارسة لعبة التخييل وإثارة إعجاب القراء بما يرسمه في أعماله الروائية والسردية، بل كان كاتباً مسكوناً بهواجس مجتمعه يستهويه الجمع بين المتعة والفائدة، فهم يعالج قضايا الأمة وينتقدها لكنه يمتطي صهوة الخيال حيث يرسم للشخصيات والحوار والزمان والمكان والأحداث مسالك مؤدية للمتعة والتأثير الإيجابي.
ستظل رواياته خالدة في أذهان القراء والمتلقين، وستبقى شاهدة على براعة روائي متمكن من فنه، متشبع بقيم مجتمعه، منافح عن مبادئه الإنسانية.