يتطلب فن الكتابة الإبداعية انسجامًا فائق التوليف بين الإبداع وتوسيع حدود الخيال والقدرة على التعبير عن الأفكار والمشاعر ومكنونات النفس البشرية تعبيرًا فريدًا ومبتكرًا، إذ إنّه مع تطوُّر التكنولوجيا واشتعال الذكاء الاصطناعي في مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج والتطبيقات الذكية، بات الكتّاب والأدباء والمفكرون قادرين على استثمار هذه التقنيات في تحسين كتاباتهم وتطويرها بما يتواءم وأدوات الذكاء الاصطناعي، وعليه، سنناقش في هذه المقالة كيفية استثمار الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية، والآفاق والتحديات التي تطرحها هذه التقنيات.
يستطيع الكاتب المبدع تسخير الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية بطرائق عدة، منها تنسيل أفكار جديدة ومبتكرة للكتابة بتحليل النصوص والموضوعات المختلفة، وتحسين اللغة وتنويع الأساليب الكتابية، اعتمادًا على فهم القواعد اللغوية من حيث النحو والصرف والصوتيات واللسانيات والمعجم والدلالة، وتحليل النصوص الكتابية عبر تحليل الموضوعات والرموز والأساليب المستخدمة وتوليد نصوص كتابية جديدة عبر استخدام تقنيات، مثل الشبكات العصبونية المستخدمة في التشخيص الطبي والتسويق والتنبؤ المالي والمعالجة والتحكم وتحديد المركّب الكيميائي، فهذه يمكن استثمارها في توليد نصوص والتحكم في عناصر الجملتين الاسمية والفعلية وتشعيب فروعهما دون ضياع الفكرة الرئيسة في الإنتاج الكتابي، ومثل التعلم العميق المبني على تعرُّف النصوص والصور والأصوات، فضلًا عن الاستفادة منه في أتمتة المهامّ؛ بغية الوصول إلى مخرجات من المدخلات المكتسبة بالصورة التقليدية، وبناءً على التعلّم العميق أو الذكاء الاصطناعي المولّد يمكن إنشاء محتوًى كتابي والإجابة عن الأسئلة وتحويل النص إلى صور والعكس.
يتجلى استثمار الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية في فوائده المرجوّة، مثل غزارة الإنتاج الكتابي عبر توليد النصوص وأفكارها الرئيسة والداعمة وتحسين لغة هذه النصوص، وتجويد الكتابة بتحليل النصوص إلى فقرات متناغمة ومنسجمة لغويًّا ودلاليًّا وتقديم اقتراحات لتحسينها، وتحفيز الإبداع واستحضار الخيال عبر توليد أفكار جديدة ومبتكرة.
إلا أنّ هناك تحديات وآفاق عدة لاستثمار الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية، منها القدرة على الحفاظ على الانسجام بين الإبداع والخيال عند إنتاج نصوص، خصوصًا النصوص الممتدة، ثم القدرة على التمسُّك بالأخلاق التي بها نضمن استثماره بطريقة أخلاقية ومسؤولة وواعية، وأخيرًا، تتمثل الآفاق الإبداعية في استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد نصوص لم يألف الكتّاب بنيتها الفنية والفكرية من قبل.
من الأمثلة على استثمار الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية، نَظْم الشِّعْر، إذ يمكن استثمار الذكاء الاصطناعي في نَظْم القصائد الشعرية الموزونة على البحور الشعرية بتقنيات الشبكات العصبونية والتعلم العميق اللذين سبق ذكرهما، ومن الأمثلة الأخرى، تأليف الروايات، إذ يمكن استثمار الذكاء الاصطناعي وتسخيره في إنتاج النصوص الروائية واستحداث شخوص الرواية وتأليف أحداثها وموضوعاتها، فضلًا عن تقسيم الرواية فصولًا وتنسيق الحوار بين الشخوص تنسيقًا آخّاذًا في هيكل سردي تتسلسل فيه الأفكار تسلسلًا فاتنًا، ناهيك عن بناء الشخوص وتطويرها عبر أزمنة الأحداث المتسلسلة.
أخيرًا
لا جَرَم أنّ الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى إشراف الإنسان الذكي؛ بغية جودة الإنتاج الأدبي النثري والشعري، وملاءمته الغرض المنشود، فهو أداة تساعد الأديب الأريب على تعزيز إبداعه وتحفيز خلايا الكتابة في نفسه، ودفعه إلى التموضع أعلى قائمة المبدعين.
لا شكّ في أنّ استثمار الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية يفتح آفاقًا جديدة للكتّاب المبدعين، ويسهم في تحسين إنتاجهم وتجويده، وتظلّ هناك تحديات إبداعية وأخلاقية يجب التغلب عليها لاستثمار هذه التقنيات استثمارًا فاعلًا، ونعوِّل في ذلك على أنْ نلمس في المستقبل القريب، القريب جدًّا مزيدًا من البحوث والدراسات في هذا المجال.