يصور الفيلم الروائي الموريتاني (تمبوكتو) للمخرج عبد الرحمن سيساكو ألواناً من الوقائع المعاصرة التي تعصف بالعديد من المجتمعات العربية والإفريقية والإسلامية.
يروي الفيلم الذي عرض في مهرجان (كان) السينمائي عام 2014، بعضاً من حكايات العنف التي تنهض على الشطط والتطرف في بلدة بسيطة تسمى (تمبكتو) في مالي بإفريقيا، كانت اليونسكو قد وضعت موروثها المعماري الذي يضم الكثير من المساجد الإسلامية على قائمة التراث الإنساني.
وفجأة تقع البلدة تحت سطوة مجموعة دينية متطرفة التي تأخذ في فرض أساليب عنيفة تحت تهديد السلاح لإدارة البلدة عنوة، حيث يجري التضييق على حياة القاطنين وحرياتهم الشخصية تحت دعاوي مزيفة وخادعة، كما يتبدى في حكاية العائلة التي تعمل برعي الماشية والمكونة من أب وأم وابن وابنة وهم من بين القاطنين على أطراف البلدة في واحدة من خيم الصحراء.
يحدث ذات يوم أن ينشب عراك بين الابن واحد صيادي السمك الذي يقوم بطعن بقرة عائدة للعائلة، إزاء ذلك لا يجد الأب مفراً من الانتقام ويقوم بإطلاق الرصاص على الصياد، عندها تقوم الجماعة المسلحة بتطبيق قانونها الخاص على سائر أفراد العائلة في محاكمة صورية، وهي التي وضعت جملة من المحاذير والممنوعات الزمت فيها الأهالي التقيد بها كضرورة ارتداء الخمار للنساء، وعدم الاستماع إلى الموسيقى والغناء أو تناول القهوة والشاي، وأيضاً عدم التدخين او القيام بلعب الكرة، بالإضافة إلى اعتبار الضحك وارتداء الأزياء الحديثة جرائم في حق المجتمع يعاقب من يرتكبها بالجلد، كما يحدث في حالة المرأة التي تجرأت على الغناء، أو الشاب الذي مارس لعبة الكرة وغيرها من عقوبات الرجم والقتل دون تدقيق أو تمحيص في حقيقة تلك الأفعال والممارسات التي تستوجب العقاب.
يتعاضد الأهالي بالتعاون مع إمام مسجد البلدة المستنير على عدم الإذعان لتلك الأساليب غير المتلائمة مع ثقافتهم والرؤية الإنسانية لحضارة هذا العصر، لكن الجماعة تتصدى بالقوة لأي محاولة في الخروج عن تعاليمها وفهمها القاصر لأمور الدين والدنيا.
قدم المخرج سيساكو أسلوبية حديثة مبتكرة في بنية الفيلم الدرامية مستوحاة من السرد الشاعري الفطن الآتي من صميم بيئته الإفريقية، فعلى رغم القتامة والسوداوية نتيجة عنف وبطش الجماعة في أحداث الفيلم إلّا أن المخرج لا يتوانى عن تقديم مواقف ومحطات محملة بالدعابة التي تسخر من ممارسات جماعات التطرف.
يبدأ الفيلم أحداثه بمنظر غزال راكضاً في فضاءات الصحراء في قطع متواز مع سيارة تنقل أفراد جماعة متطرفة وهم يتهيأون لالتقاط فريستهم من بين أناس أبرياء وهو مشهد رائع بالفعل.
يشار إلى أن المخرج عبد الرحمن سيساكو مولود العام ١٩٦١ في موريتانيا، تخرج من معهد السينما في موسكو وحقق مجموعة من الأفلام القصيرة منذ العام ١٩٨٩، بالإضافة إلى ثلاثة أفلام روائية طويلة هي: (الحياة على الأرض) ١٩٩٨، و(في انتظار السعادة) ٢٠٠٢، و(باماكو) ٢٠٠٦، وهو يعتبر أحد أشهر المخرجين من أصول أفريقية يعملون في فرنسا.