يُعد نحل العسل من الكائنات الأساسية التي تلعب دورًا جوهريًا في استقرار النظم البيئية وتعزيز الإنتاج الزراعي، من خلال مساهمته الفعالة في عملية تلقيح النباتات. إلا أن هذه الكائنات تواجه تهديدات متزايدة نتيجة التعرض للعديد من العوامل المرضية والبيئية. ومن أبرز الطفيليات التي تهدد صحة النحل وفاعلية مستعمراته هو الطفيلي المجهري Nosema ceranae، الذي أصبح محوراهتمام واسع في أبحاث نحل العسل بسبب تأثيراته العميقة على الصحة والسلوك. فقد أظهرت الدراسات أن هذا الطفيل يُحدث تغيرات سلوكية ملحوظة في النحل المصاب، مما يؤثر سلبًا على ديناميكية المستعمرة، ويهدد استقرارها وبقاءها على المدى الطويل.
السلوك الغذائي
يمثل أحد أبرز التغييرات السلوكية للنحل. إذ يُظهر النحل المصاب استجابة متزايدة لمحلول السكروز، ويميل إلى تقليل مشاركة الغذاء مع زملائه، مما يشير إلى تعرضه لإجهاد طاقي واضطراب في التمثيل الغذائي للبروتين[1]. كما أظهرت التحاليل المعملية انخفاض مستويات البروتين وزيادة نشاط إنزيم الأميلاز في غدد البلعوم السفلي لدى النحل المصاب، مما يعكس حالة من الضغوط الطاقية واختلال عمليات البناء الحيوي[2].
السلوك الطيراني والقدرة على التوجيه
تتسبب العدوى أيضًا في إضعاف قدرات الطيران والتوجيه المكاني لدى النحل. حيث أظهرت التجارب أن النحل المصاب يحتاج إلى وقت أطول للعودة إلى الخلية بعد خروجه منها، كما يزداد احتمال ضياعه أثناء الطيران مقارنة بالنحل السليم [3, 4]. وقد دعمت هذه النتائج دراسة استخدمت تقنيات الرادار التوافقي، والتي كشفت أن النحل المصاب يعاني من انخفاض واضح في معدل العودة الناجحة إلى الخلية، رغم عدم وجود تغيرات ملحوظة في أنماط الطيران نفسها [5]. مما يدل على أن المشكلة تكمن في النظام الملاحي والتوجيهي أكثر من كونها ضعفًا بدنيًا.
التلقيم والنضج السلوكي
أحد الآثار السلوكية المثيرة للاهتمام هو تسريع عملية النضج السلوكي، حيث يبادر النحل المصاب بأداء مهام جمع الرحيق وحبوب اللقاح في عمر مبكر، وهو ما يُعرف بـ "التلقيم المبكر"، وهو سلوك يرتبط عادة بالنحل الأكبر سنًا. وقد أرجعت الدراسات هذا التحول المبكر إلى التغيرات الهرمونية الناتجة عن العدوى، حيث يُلاحظ انخفاض في بروتين الفيتيلوجينين المسؤول عن التنظيم المناعي وسلوكيات الحضانة، وارتفاع في هرمون الشباب، مما يؤدي إلى تقصير دورة حياة العمال ويضعف قدرة المستعمرة على التكيف مع احتياجاتها المتغيرة [6].
القدرة المعرفية والكيمياء العصبية
يمتد تأثيرالعدوى إلى القدرات الإدراكية للنحل، حيث أظهرت الدراسات أن النحل المصاب قد يُظهر أداءً جيدًا في البداية خلال اختبارات تعلم الروائح، لكنه يعاني لاحقًا من تراجع في التعلم والذاكرة مع التقدم في العمر. وترتبط هذه التغيرات المعرفية بتعديلات ملحوظة في كيمياء الدماغ، شملت تغيرات في مستويات النواقل العصبية مثل السيروتونين، الدوبامين، والأوكتوبامين، وهي مواد تلعب دورًا حيويًا في التحكم في السلوك والتعلم والاستجابات العاطفية [7].
الوقاية والتدخلات العلاجية
ورغم هذه التأثيرات السلبية، أظهرت بعض الدراسات أن المحفزات المناعية الطبيعية مثل الشيتوزان وببتيدوجليكان قد تساهم في خفض معدلات العدوى وزيادة جمع الرحيق وحبوب اللقاح، مما قد يدعم صحة النحل ويعزز إنتاجية المستعمرات [8].
الخلاصة
تشير الأدلة العلمية إلى أن عدوى Nosema ceranae تُسبب اضطرابات سلوكية وفسيولوجية متعددة تؤثر سلبًا على كفاءة نحل العسل واستقرار مستعمراته. وفهم هذه التغيرات بشكل دقيق يُعد خطوة ضرورية لتطوير استراتيجيات فعالة لحماية هذا الكائن الحيوي، سواء من خلال التدخلات العلاجية أو عبر تحسين الظروف البيئية والتغذوية، بما يُسهم في دعم دور النحل في التلقيح والحفاظ على التنوع البيولوجي والإنتاج الزراعي المستدام.
المراجع :
1. Naug D, Gibbs A. Behavioral changes mediated by hunger in honeybees infected with Nosema ceranae. Apidologie. 2009;40.
2. Li Z, He J, Yu T, Chen Y, Huang WF, Huang J, et al. Transcriptional and physiological responses of hypopharyngeal glands in honeybees (Apis mellifera L.) infected by Nosema ceranae. Apidologie. 2019;50.
3. Kralj J, Fuchs S. Nosema sp. influences flight behavior of infected honey bee (Apis mellifera) foragers. Apidologie. 2010;41.
4. Holt HL, Villar G, Cheng W, Song J, Grozinger CM. Molecular, physiological and behavioral responses of honey bee (Apis mellifera) drones to infection with microsporidian parasites. J Invertebr Pathol. 2018;155.
5. Wolf S, McMahon DP, Lim KS, Pull CD, Clark SJ, Paxton RJ, et al. So near and yet so far: Harmonic radar reveals reduced homing ability of nosema infected honeybees. PLoS One. 2014;9.
6. Goblirsch M, Huang ZY, Spivak M. Physiological and Behavioral Changes in Honey Bees (Apis mellifera) Induced by Nosema ceranae Infection. PLoS One. 2013;8.
7. Gage SL, Kramer C, Calle S, Carroll M, Heien M, DeGrandi-Hoffman G. Nosema ceranae parasitism impacts olfactory learning and memory and neurochemistry in honey bees (Apis mellifera). Journal of Experimental Biology. 2018;221.
8. Valizadeh P, Guzman-Novoa E, Goodwin PH. Effect of immune inducers on nosema ceranae multiplication and their impact on honey bee (Apis mellifera l.) survivorship and behaviors. Insects. 2020;11.