توجد في تاريخ الكتابة الأدبية أعمال زاخرة يحتفى بها ولم تفقد حسها الخالد الذي تسقي به القارئ بالتلذذ في بنية العمل الادبي، فنجد في كل عمل يوصف بأنه مميز طبقاً للنقاد، ان الخيال اللامتناهي الواسع، وسعة إطلاع الكاتب، ومتانة أسلوب السرد والحبكة، وقوالب اللغة الإبداعية عناصر تجعل أعمالا معينة أشد مقاومة للزمن وللتغيرات السوسيولوجية التي تصيب القراء.
نرى أول عمل كُتب بصيغة الرواية "دون كيخوته" للكاتب الاسباني ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا من الاعمال الخالدة، فنميل إلى الاعجاب بالانشداد الى الفروسية الأوروبية كحلم يغري شبابهم آنذاك في عين قارئ وثائقي، كما سيدهش نفس القارئ ايضاً بحجم المعرفة التي يمتلكها الكاتب بأحوال شبه الجزيرة الايبيرية. وقد نتأثر وجدانياً بشكل عميق بالسخرية التراجيدية التي تلحق البطل وحجم تناقضاته فيما يتصوره لنفسه كفارس أرستقراطي نبيل وبين واقعه كعجوز استقى الفروسية من خزائن كتبه، ويود عكسها على العالم، فذلك العيب ليس دوافعه النبيلة، ولكن في الواقع نفسه. فالواقع قاسٍ إذا لم نملك توقعات مسبقة.
إن كتابة هذا العمل في بدايات القرن السابع عشر أضافت قيمة كبيرة على جمالية العمل، خصوصاً لان الإنتاج الادبي، وشكل الرواية لم يكونا زخيري الإنتاج، وهذا ما سوف يطرح عددا من الأسئلة حول القيمة التي تجعل أعمالا معينة توصف بالجيدة وأعمالا أخرى رديئة.
طبقاً للحركة الرومانسية التي نمت في القرن التاسع عشر، فإن ما يحدد جودة العمل هو الحس الفرداني الذي يرمي بعبء النسيج المجتمعي والاحكام المسبقة التي تضع ثقلاً على الكاتب، فالتجارب الفردية هي خير معلم، وعكس هذه التجارب في قوالب لغوية جديدة هي مصدر الابداع الادبي.
يقول تيري إيغلتون ان الحاضر هو عملية إعادة تدوير للماضي ويتفق في ذلك مع فكرة تشومسكي في إن الابداع هو إعادة انتاج جمل بصيغ جديدة، فلقد قام الكاتب الروماني فيرجيل بكتابة عمله "الانياذة" بشكل شبه مستنسخ عن الإلياذة والأوديسة لهوميروس، ولكن ما جعل كتابه من الاعمال المخلدة هو اللغة الجديدة والخيال عليهتا لإضفاء عناصر جديدة اليها.
ينتج من هذا المبدأ الكاتب الإنجليزي إدغار بوي ما أصبح يُعرف بأدب الرعب، وتطلق ماري شيلي وحشها فرانكشتاين إلى عنان العالم الادبي، ويبرز دكتور فاوست لغوته أيضاً في مغامرة ملحمية عندما يتعاقد مع الشيطان من اجل المعرفة المطلقة، فما تمت كتابته في هذه الاعمال ليس في ان مادته الأدبية لم تكن موجودة مسبقاً في التجربة الشخصية في الحياة، ولكن استعمال اللغة لإنتاج ما لم يُقا بلاغياً عن أفعال معينة ومعرفة مختزنة هو ما أطلقها للوجود. فالإبداع هو اللغة.
طبقاً للمنهج الواقعي في الادب فإن العمل الإبداعي يرتبط بقدرة الكتاب على رسم عناصر الحياة كما هي في مآسيها ومحافلها وتفاصيها المقيتة، وقد ينطبق ذلك على العصر الفيكتوري مثلاً، وفي روايات تشارلز ديكنز مثل آمال كبيرة وبطله الصغير بيب الذي يصارع ويحارب وحيداً في حياته في عصر الاستغلال والمادية المنفرة، ولكن هذا ما قد يضع للشك قيمة أنماط كتابة أخرى مثل الفانتازيا والخيال العلمي والملحمات الشعرية، ولكن من قد يجادل في ان رواية آلة الزمن قد لا ترتبط في الواقع عندما تسافر إلى مستقبل يبدو غير واعد يوجد فيه شعب "الايلوي" الغني والكسول والشعب الذي يعيش في الأنقاض "المورلوك" عاكساً نظرية صراع طبقي طويل، ولم يعش هاري بوتر تلك الحياة الوردية قبل انتقاله إلى ما سيصبح بيته الام "هوغورت" عندما يكون متبنى من قبل عائلة تجعله أشبه بالحبيس المقموع، وهذا ليس بالشيء غير المألوف بتاتاً.
الأدب لم يعد يعرف حدوداً للتغيير في بنيته وترتبط قيمته بحسب ما يراه القارئ، فتوجد أعمال جميلة جداً لكتاب لم تكن كتبهم ضمن قائمة أعلى الكتب مبيعاً، وبحسب رأي توماس إليوت فإن الادب، خصوصاً أدب ما بعد الحداثة "يتغير ولا يتغير".