"الطاغية يسحق عبيده، ولكنهم لا ينقلبون ضده، وإنما يسحقون من يلونهم في المرتبة".
ربما تكون هذه العبارة البسيطة تلخيصا لواحدة من الملاحم الكتابية الكلاسيكية التي أبدعها البشر على مر العصور.
إنها رواية "مرتفعات ويذرينغ"، للأديبة البريطانية إيميلي برونتي؛ الأخت الوسطى للشقيقتين برونتي؛ شارلوت وآن، اللواتي منحن العالم بهجة إبداعية هائلة، بروايات ظلت على الدوام في قوائم أفضل الأعمال الإبداعية في العالم.
رواية "مرتفعات ويذرينغ" تندرج ضمن هذا الإطار؛ فهي تقبع في مرتبة قبل العشرين في قوائم أفضل مائة رواية عالمية. لكن الغريب هو أن إيميلي لم تكتب رواية سواها.
تتحدث الرواية عن نقيضين تماما؛ الأول هو الحب، والثاني هو الكراهية والانتقام. وفي ما بين النقيضين، تدور الشخصيات بغير اتزان؛ فنرى الصفات البشرية الدنيئة تظهر بجلاء في تصرفاتها وقراراتها.
الحب والعطاء أولا، وثانياً الأنانية والغضب في مداه الأوسع، والقسوة الإنسانية وحب الانتقام. هي ممارسات روتينية تظهر في تصرفات الشخصيات، لتشكل معظم المتن الحكائي.
السرد مبني على متن كلاسيكي؛ فهي رواية نشرت العام 1847. غير أن إيميلي اعتمدت طريقة الـ"فلاش باك" في سرد الحكاية على لسان مربية المنزل التي عاصرت جميع أبطال الرواية، وراقبتهم يكبرون ويمتلئون بالحقد والكراهية، فيدمرون بعضهم بعضا.
القسوة المرعبة، والتي تتبدى في بعديها؛ الجسدي والنفسي، أكثر ما تتسم به أحداث الرواية، والتي تدور في الأساس حول شخصية "هيثكليف"؛ الفتى اليتيم الضال، والذي يدخل حياة عائلة إيرنشو، ليقلبها رأسا على عقب.
لكن الرواية، أيضا، يمكن أن تتعدى كينونتها الفكرية الإبداعية، نحو سحبها على المجتمعات التي تختبر الكراهية، أو الشخصيات التي تعيش ضمن دوائر الفعل ورد الفعل، من غير امتلاك استراتيجية حياتية بشرية قادرة على المبادرة والعطاء لأسبابها الذاتية.
في جزء مهم من الحياة التي عاشها الإنسان على الدوام، كانت نظرية "الطاغية والعبيد ومن يلونهم"، تتمظهر وتتبدى قسوتها، خصوصا عند العبيد الذين يصبحون أسيادا بـ"ضربة حظ".
والمسألة لا تتبدى هنا في وجهها السياسي، كما قد يخطر في البال، ولكنها بالتأكيد مرض اجتماعي لا يختص بطبقة معينة، ولا بوظيفة دون غيرها؛ فهو لا يرحم أي طبقة من سمومه الفتّاكة.
في الشخصية الناقمة والقاسية والمولعة بحب الانتقام، ثمة رواسب من الماضي دائما، خصوصا الطفولة غير السوية التي تلقي بظلالها على الشخص، لتفرض عليه رواسبها الآسنة، وبالتالي، تنمّطه حسب اقتراحاتها السوداوية؛ ما يحيله إلى "معاق" عن الفعل السويّ مع الآخرين.
هذه ليست فلسفة جديدة، بل استقراء للتجارب الإنسانية، سواء كانت حياتية أو أسطورية أو إبداعية؛ إذ دائما ثمة "بطل" غير سويّ، يجر على المدينة اللعنة والويلات.